لا عزاء لهذه الطفلة التي تتشبث بجدتها من يدري ماذا احست هذه الصغيرة ربما انها المرة الاخيرة التي تحتتضن بها جدتها هنا في محطة الباص المؤقتة على حدود مدينة اللاجئين.
الركاب يرتجلون الباص و التجهم واضح على وجوههم بينما السائق و الذي يبدو مرحا على عكس الموقف يهز رأسه و هو يقوم برمي الحقائب و الامتعة الى الرهة الخاصة بها في الباص "رجاءا لا تجلبوا الكثير معكم" لكنه يعلم ان القليل منهم سيستمع اليه.
الامتعة ستعقد الامور خلاال عبورهم الحدود و وتفاوضهم مع المتمردين خلال لحظات عصيبة احيانا يتخللها اصوات اطلاق اعيرة القناصة و قذائف الهاون.
اسم الطفلة الصغيرة هو اية ذات ال 18 شهرا والان جدتها ستتركها. عيون ابوها نورالين دخل الله احمرتا من القهر و هو يحاول نزعها من يدي حماته.
"قولي لها مع السلامة" قال مشاورا الصغيرة "تمني لجدتك الافضل."
هذه محطة الباص على حافة معكر لللاجئين في الصحراء الاردنية الاردنية اصبحت بوابة قاتمة في قصة الحرب السورية الاهلية الطويلة الامد العشرات من الالاف قد قد توافدوا منذ اندلاع العنف في 2012 ولكن حتى مع استمرار الحرب الطاحنة الكثير منهم ركب الباص عائدا الى بلده.
قسم منه عليه حضور مجالس العزاء بينما اخرين يعنون من حنين الوطن او مشتاقين لاحبتهم. ولكن للكثير منهم سلسلة العنف و الموت المستمرة هي اهون من العيش في المخيم مع الضجر الذ يصاحبه ومساكنه المكتظة الامنة التي لا يمتلكها احد.
حالا الجدة ستركب الباص وتنظر من خلال النافذة و ملامحها بدت مشوشة مسببا بانعكاس زجاج النافذة. موت اخر بلا معنى لاحد الاحفاد في الوطن اقتضى عليها ان تاخذ هذه الرحلة الكأيبة رجوعا الى الوطن.
عيون اية تبقى مثبتة على الباص.
"جدتها هي مربيتها" قال الاب شارحا. لوحت الطفل بيداها تجاه الخيال المنعكس من النافذة.
غادر الوالد محطة الانتظار ليضع الطفلة في سلة على دراجته الهوائي و ليندفع مسرعا باتجاه المعسكر.
من اعلى نقطة له يبدو مخيم الزعتري وهو يمتد مسافات كسراب الصحراء. حجرات و مخيمات بيضاء معلمة بكتابات الامم المتحدة تمد في اعمدة منتظمة مفصولة بخطوط ترابية. من الجانب الخر من الاسلاك المحيطة بالمعسكر تمتد ارض مقفر الى الافق.
لا يوجد مكان في العالم يضاهي المخيم من حيث عدد اللاجئين حيث 79000 شخص يقطنون مساحة لا تتعدى الميليين المربعين من الارض القفر. لو كانت يعتبر مدينة لكان رابع اكبر مدينة في الاردن من ناحية السكان.
في حين عالميا كان التركيز على السوريين الهاربين من سوريا بأتجاه اوروبا لكن نسبيا القليل من ضمن 4 ملايين الذين فروا منذ 2011 يستطيعون تحمل نفقات التهريب و المصاريف الاخرى للوصول هناك . معظمهم استقر في الاردن و لبنان و تركيا حيث كل منهم يحتظن حوالي 1 مليون من المهجرين.
الكثير منهم لا يعيش في مخيمات رسمية بل في شققمزدحمة و بيوت وهم يعانون محاوليين دفع الايجار و اطعام عوائلهم . النظر الى الامر من هذه الزاوية تجعل اللذين يعيشون في مخيم الزعتري محظوظين مقارنة بهولاء على الاقل في عيون الامم المتحدة.
المعسكر نما منذ تأسيسه في سنة 2012 من تجمعات لخيم قديمة الطراز الى مدينة منتظمة متوسطة الحجم مع مستشفتيان ميدانيتان و اسواق مركزية اثنان بالاضافة الى 9 مداراس و اكثر من 80 مسجدا و اكثر من 3000 محل.
هنالك منصات لبيع الخضار, محلات الهواتف الخلوية, مطاعم, محلات حلاقة رجال , صالونات التجميل, بوتيكات اعراس. بعض المحال لديها اقفاص طيور الحب خارج المحل و هو من الامور الشائعة التي تجدها في سوريا الوطن.
في شارع الشانزي ليزيه و هو الاسم الذي اطلقه السكان على الشارع التجاري الرئيسي هناك يمكنك ان تجد الامهات وهن يدفعن عربات اطفالهن. كل اسبوع هنا يولد حوالي 80 طفلا.
هذه الايام بالكاد الناس ينامون في خيم في مخيم الزعتري بالبدل هم الان ينامون في مقطورات مزودة باقراص الستالايت و مربوطة بالكهرباء المزودة مؤقتا من خلال الاسلاك. المطابخ المشترك و الحمامات العامة التي لم تلاقي استحسان النزلاء استبدلت بحمامات تم بنائها من قبل العوائل و بمطابخ بسيطة بمواقد الغاز في كل دار.
مقارنة بالاكواخ التي يعيش فيها نظرائهم في لبنان الزعتري بالمقارنة يعد فندق ذو خمس نجوم. لكن ليس هنالك هروب من الاقتضاض و الزحمة. النزلاء محبسون داخل السياج حيث لا يمكنهم المغادرة الا بموافقة السلطات الاردنية.
يحاول الناس هنا تكرار ما كانوا يفعلوه في سوريا قدر ما يستطيعون.
"عندما وصلت هنا اول الامر لم اكن اعرف ماذا سأفعل" قال علي صالح جبريل ذو ال36 عاما مستذكرا حيث كان يدير محل لبيع الفلافل في منطقة الميدان في دمشق و الذي كان مشهدا لقتال عنيف في 2012.
معظم ما كان في الميدان دمر و من ضمنه محل جبرائيل. العديد من سكانه فروا الى جنوب الاردن.
" ادركت بان هنالك طلبا هنا و لذلك قررت عمل ما عرف صنعه: الفلافل."
الان هو معروف باسم ابو عبدالله و محله مفتوح 7 ايام في الاسبوع و هو من ضمن الاماكن المفضلة ليس فقط من السكان بل حتى كادر المعسكر ومن ضمنهم العمال الاجانب بالاضافة الى ضباط الشرطة الاردنية. هو معروف على صعيد المعسكر و بنكهة الفلافل الخاصة به.
الارباح التي يحصل من محله المزدحم تمكنه ان اراد ان يرتب لعائلته المكونة من زوجتين و بنتين و اربع اولاد الرحيل الى اوربا لكنه يعتقد انها رحلة محفوفة بالمخاطر بالضافة انه يعتقد ان الحياة هنا ليست بذلك السوء.
"المشكلة الرئيسية هنا هو عدم توفر وظائف كافية." قال جبرائيل ثم اضاف "انا احاول ان اوظف اناس قدر ما استطعت لكن معظم الناس ليس لديهم شيئا ليفعلوه حتى و ان كانت احتياجاتم الاساسية متكفلا بها."
جبرائييل قام بقيادة اثنين من ضيوفه بأتجاه منزله الذي لا يبعد كثيرا حيث يمكن ملاحظة انه استبدل الواجهة البضاء البالية بأخرى متعددة الالوان معطية انطباعا عن رفاهية سورية. في الداخل يتم بناء نافورة ذات قراميد زرقاء على شاكلة امثالها المتوفرة داخل الفلل في سوريا.
عبر الشانزيليزيه و في شارع فرعي حبث يقطن ابراهيم حريري مع عائلته متحدثا عن تجربته في الزعتري خلال 3 سنبن. الحريري المنحدر من احدى ابرز القبائل جنوبي سورية في درعا حيث تعود جذور اغلبية سكان الزعتري. اكثر من 3000 اعضاء هذه القبيلة هم موجودون هنا في الزعتري.
مثل الكثير من االاقارب البعيدين الصلة العديد منهم قطنوا جوار بعضهم البعض مشكلين قرية صغيرة قريبة على امتداد المعسكر.
"لو اباستطاعتي العودة لغادرت هذه الدقيقة" قال الحرييري ذو ال62 عاما و هو الان شرطي متقاعد. عندما غادر هو و احبته البلد قبل 3 سنين قال" توقعنا ان نغادر لشهر. و لان و بعد كل هذه السنيين لازلنا هنا. ربما سأعود قريبا."
امه ذات ال85 عاما و ابوه ذو ال90 عاما يعيشان هنا بالضافة الى 6 اولاد و 26 حفيدا. جميعهم يعيشون قريبا في مقصورات مجاورة. شكواه هي كشكوى الاخرين حيث يشتكي من الملل و الاحساس بالكبت. الان هو يمضي ايامه بالحديث مع الاقارب و الاستماع الى نمائم العائلة و مشاركة اخر الاخبار في سوريا.
" الى بعض الدرجة تحنا نجحنا في اعادة خلق الحياة التي اعتادناها في سوريا" قال الحريري و هو مرتديا نعال الصندل و ردائا صوفي اللون و مرتديا يشماغا احمر و ابيض على رأسه " لاكون صريحا, انا الان لا اشعر بالراحة عند مغادرتي المعسكر من الان فصاعدا. انا اريد العودة."
الجميع هنا راى المشاهد على شاشات التلفاز مظهرة القوارب المكتظة بالمهاجرين و في التي بعض الاحبان تنهي نهاية مأساوية منتهية بانقلاب القارب و غرقه في البحر.
ابنه متاع الحريري ذو ال35 عاما يخن الاركيلة في منزل العائلة حيث السجاد يغطي الارض. "لو كانت لدينا الفرصة للذهاب قانونيا الى كندا او اوربا بالطبع كنا سنذهب" ذكر قائلا " لكننا رأينا صور الاطفال الغرقى و هي تطوف على الشاطسء. نحن لا نريد ان يحصل هذا لاطفالنا."
في الخارج يصل الاطفال مع حقائبهم المدرسية الزرقاء و المطبوع عليها "يونيسيف" الى المنزل من المدرسة. فائزة الحريري زوجة ابراهيم تحتضن عدد من احفادها " اريد ان يكونوا كلهم امامي" قالت ذاكرة.
في هذه في هذه الايام روتين حياة المعسكر يناقض الداراما اليومية التي تحدث في المحطة الصغيرة حيث يغادر الباص متوجها الى سوريا.
في الصسف الماضي و في عز ازمة اللاجئين غادر ما يقارب ال500 شخص اسبوعيا بالباص. بعضهم ياس من الحياة في الاردن مفضلين الرجوع الى الوطن مهما كانت المخاطر لكن اخرون كانوا متوجهين الى اوروبا عبر تركيا مفضلين السفر خلال سوريا مع المخاطر المترتبة على ذلك بدلا من شرائهم تذاكر الطائرة الغالية الثمن من عمان الى اسطنبول.
مسؤلي الامم المتحدة حاولوا اقناعهم بعدم الرجوع الى بلدهم.
"نحن نخبرهم بأن الرجوع الى سوريا ليس امنا" قالت صوفي اتزولد مساعدة موظف الحماية في المعسكر و التابعة للامم المتحدة " لكننا لا نستطيع اجبارهم على البقاءز في نهاية المطاف الخيار هو خيارهم."
سمر عبيد ذات 25 عاما تصل الى المحطة مع اطفالها الاربعة 3 اولاد و بنت واحدة و ثلاثة حزم كبيرة من الممتلكات. كانت ترتدي المكياج الزائد عن حده و حذاء الكعب العالي مع فستان اسود انيق. يداها كانتا مزينتين بوشم الحنة.
هذا هو يوم كبير لكن هي لم تكن تتطلع له. عبيد الان متجهة الى سوريا للم شملها مع زوجها و الذي لم تره منذ 5 سنين. و لتفعل ذلك عليها ان تجعل اطفالها يغادرون امان المعسكر.
"زوجي لا يعرف ابنه" قالت مشيرة الى الطفل ليث ذو 5 اعوام و اضافت "لقد غادر عندما كان عمر ليث 13 يوما."
السلطات الاردنية رفضت دخول زوجها بدواعي امنية و هي مشكلة شائعة هنا. الكثير من الرجال الذين غادرت عوائلهم خدموا تحت لواء المليشبات. الاردن يريد ابقاء الصراع بعيدا عن حدوده. "انا مرتعبة من الخوف لكن ماذا استطيع ان افعل؟ على الاطفال ان يروا اباهم."
ياسر مسالمة ذو ال 40 عاما والذي يعما كسائق شاحنة ايضا متوجه على هذه الرحلة برفقة ستة من اصل تسعة من اولاده.
لعدة سنوات ياسر و اخوانه الستة اعتاشوا على نقل الخضار في المنطقة و وجه الخصوص نقل الخضار من الاردن الى العراق حتى اصبح الامر خطرا على حياتهم. لقد قام هو و اخوته ببيع الشاحنات و الان هم يتوجهوون بالعودة الى درعا.
"انا اعلم ان هنالك خطر" قال ذلك و هو يسبح مسبحته بقلق "هنالك تفجيرات في كل مكان. الجميع متواجد هناك مثل القاعدة و روسيا وحزبالله."
خطته تتضمن نصب خيم على ارض تتملكها العائلة و القيام بزرع المحاصيل بانتظار انتهاء الحرب.
"افضل ان اعيش في خيمة في سوريا بدلا من ان اعيش في خيمة هنا" ذكر قائلا.
هذا هو نفس الباص الذي سينقل فايزة قادة جدة الطفلة اية دخل االله الى سوريا حيث ان الهائلة فرت من درعا في ربيع 2012.
ابنة قادة, نوال كانت مستاءة نتيجة مغادرة امها "من سيكون سعيدا بعودة اي شخص الى مكان الموت؟" قالت نوال. موت حفيد قادة محمد ذو ال 4 سنوات و الذي دهس من قبل شاحنة الماء حتم عليها الرجوع.
و بأشهر قليلة قبل ذلك حفيدها الاخر صفوان ذو 9 اعوام فارق الحياة عندما كان نائما حيث سقطت طلقة على راسه عندما قام المتمردون باطلاق الاعيرة النارية في الهواء محتفلين.
نوال ليست لديها اي اوهام عن الحياة في الجانب الثاني "بالطبع كلنا نفضل العودة الى سوريا لكم ماذا لو سقطت قذيفة و قتلت اطفالنا, ماذا سنفعل حينها؟"
قد يكون مخيم الزعتري ناقص الكمال لكنه لان هو المنزل لهل الان لان الوطن السوريا التي تركتها موجودة فقط في الذكريات.
تصميم: ليلي مهاليك و ترجمة: سيف العزاوي. تعليق الصورة الرئيسية: "لو كان بأمكاني العودة لعدت هذه اللحظة" قال ابراهيم حريري 62 عاما و هو شرطي متقاعد و الذي يقول انه تم اعتقاله من قبل السلطات السورية لمدة شهر بعد بدأ الحرب.