هنالك امراة تحدق باتجاه الغرفة 209 عند غروب الشمس بقليل. و عائلة فؤاد تقدرها كثيرا. المراءة هي احدى نزلاء موتيل ذو النجمة الواحدة في مدينة بمونا (كاليفورنيا) تومأ بيدها طالبة سجارة. فؤاد و الذي كان يدخن السجارة تلو الاخرى الاخرى اثناء قيامه بفرم الخياريتجه اليها و يقدم لها سيجارة وزوجتهة تهز راسها باستهجان.
هذه المرأة لا تعجب صفاء. كما انها لا تحب هذا المطبخ الصغير و طباخه ذو الشعلات الضعيفة و التي تستسغرق ساعات لتطبخ اي شيء.
هذا هو الاسبوع الثالث لهذه العائلة في هذا الفندق و هو ايضا الثالث لهم في امريكا. انهم لاجئون من سوريا و الذين تركوا حياتهم المريحة في ضواحي دمشق و هم الان يحاولون ان يجدوا معنى في هذا الفصل الغريب الاول في حياتهم الجديدة.
فؤاد و صفاء يعدون محظوظون مقارنة بكثير من نظرائهم السوريين. لقد خسروا جميع ممتلكاتهم و العديد من الاصدقاء و الاقارب خلال الحرب الاهلية السورية الدموية لكنهم استطاعوا الهرب الى مصر بامان بصحبة اطفالهم الستة.
هم لم لسوا ضمن المئات من الالاف من النازحين الذين تحتم عليهم السير خلا مقدونيا و المجر و صربيا محاوليين تجنب الالغام الارضية او الغاز المسيل للدموع او مدافع المياه فب طريقهم الى طلب اللجوء الغير مضمون في اوروبا. هم لم يغرقوا من احدى القواب الصيد في البحر المتوسط.
على العكس الحظ حالفهم, في القاهرة عائلة وفية تم اختيارها من قبل الامم المتحدة ليتم اعادة توطينهم في اجراء سنوي حيث تقوم الامم المتحدة باختيار العشرات من الالاف من اللاجئين لغرض اعادة التوطين. و انتهى بهم المطاف في مدينة بومونا لان احد اصدقاء صديق لهم يعيش هنالك.
لكن كونك محظوظا لا يعني ان الامور ستاتي بسهولة.
انشار المشاعر المعادية لللاجئين بعد الهجمات الدامية على باريس فب انحاء الولايات المتحدة ومن ضمنها نداءات من قبل بعض اعضاء الكونغرس لتشديد القيود على وفود اللاجئين السوريين. اكثر من نصف حكام الولايات اعلنوا انهم سيرفضون توطين اي منهم في ولايتهم مستشهديين بدواعي امنية.
::
قبل وصولهم الى امريكا , فؤاد و عائلته كان عليهم الانتظار 18 شهرا قبل حصولهم على الموافقة الامنية من قبل المسؤليين في السفارة الامريكية في القاهرة بالاضافة الى جميع المقابلات الامنية و الفحوص الطبية و الاختبارات بالاضافة الى توجبهم حضور دروس التوجيه الثقافي.
في احد التماريين تم سؤالهم بالكتابة بأستخدام اليد اليمنى ثم لاحقا الكتابة بأستخدام اليد اليسرى. هكذا ستكون الحياة في الولايات المتحدة قال المدرس. انها ستكون صعب السيطرة.
في احد الايام و ليس ببعيد من تاريخ ووصولهم للبلد قام فؤاد باخذ رحلة الى احد البيوت المتواضعة و التي تحمل لائحة " للايجار" بعد ترجله من السيارة و يتجه بثقة باتجاه المالك.
الرجل ينظر اليه مومئا لا بهز راسه يمينا و شمالا: "لدي 3 عروض و قد قبلت احداها."
فؤاد يهز رأسه موافقا بعد ان تم رفضة مرة اخرى. هو لا يلوم المالم لان فؤاد ليس لديه عمل او رصيد كرديت.
في رحلة العودة الى الموتيل فؤاد يفض احساس الخيبة عنه بالقاء النكت: "علبك الادراك بانك مولود جديد هنا. عليك محاولة تعلم الاساسيات."
الحيات كان افضل بكثير في سوريا قبل محاولة الرئيس السوري بشار الاسد قمع المظاهرات المناهظة للحكومة و التدي ادت في نهاية المطاف الى حرب اهلية.
فؤاد كان تاجر خراف ناجح في دوما احدى الضواحي الغنية شمال دمشق. كان يعيش في شقة والدية حيث كانا يقطنا الطابق السفلي من الشقة, فؤاد لم يغادر يما الى الخارج من دون ان يتوقف و يعطي امه قبلة.
لقد كانوا يملكون عزبة في الريف ايضا مع حديقة زهور و مسبح حيث علم اطفاله السباحة هنالك لكنها دمرت و حولت ركام بصواريخ الاسد.
هذه الايام فؤاد يجلس مع عائلته فرب مسبح الموتسل الحقير متصفحا صور منزله على هاتفه بينما اشجار النجار النخيل تحف بسبب رياح سانتا انا الحارة. ثم يضغط زر التسجيل بينما ابنه يقفز الى المسبح.
ثم يقوم بارسال الفديو الى الاقارب في تركيا و بلجيكا و السعودية و الى البقاع الشتات السوري الاخرى.
::
هو كان يكرة الدولة البوليسية. كونه نشأ تحت نظام الاسد الاب الصارم , حافظ الاسد. تم تحذيره و منذ سن يافعة بان "الحيطان لها اذان." مفضلا لعب الورق على الحديث بالسياسة. لذلك عندما وصل الربيع العربي الى دوما فضل التركيز على تجارته.
ابنه البكر كان مختلفا. رشيق البنية خلاف لابيه, عمر ذو ال 15 ربيعا كان متشوقا لاختبار حدوده.
عندما ملا المتظاهرون الشوارع مطالبن رحيل الاسد عمر انضم اليهم. قوات الامن احيانا تضربه ضربا مبرحا و عندما بدأ بعض المتظاهرين بالاختفاء قامت امه بحبسه بالمنزل بعد صلات الجمع حيث عادة بعدها يخرج المتظاهرين للتظاهر.
لم يمظي وقت طويل عندما ولدت صفاء طفلها السادس مساء. "لا اريد اي مشاكل" ذكرت قائلة.
حينها كانت المدينة تحت الحصار حيث البراميل المتفجرة تسقط صارخة من السماء محولة احياء سكنية كاملة الى حطام تحت الدخان. بعد الانففجارات يخرج الناس طالبين الحمة الالهية وهم يطأون الجثث تحت اقدامهم.
في احد الايام سقط راس حربي على بيت وفية و بمعجزة الجميع نجى و كان اشارة لهم بان وقت الرحيل حان.
في البدأهم كانوا لاجئين داخل بلدهم محاوليين تجنب الموت بالترحال بين بيوت الاقارب و الاصدقاء. صديق عمر المقرب اطلق عليه النار من قبل قوات الاسد. والد فؤاد فارق الحياة من دون دواء السكر و الذي لم يكن متوفرا بسبب الحصار. و بسبب شحة الطعام المتوفر اضطرهم الامر الى اكل طعام البقر. مساء كانت جائعة ولكن في منتصف الهباء جسد صفاء لم يعد ينتج حليبا.
فؤاد اتخذ القرار المصيري في 2013 عندما كانوا يعيشون في بيت صغير مع عائلتين اخرتين متناوبين النوم ليلا معهم لعدم وتوفر المساحة الكافية على الارض. لقد كان قلقا بان ابنته الكبرى كانت على وشك الانهيار العصبي. فؤاد قام بدفع معظم ما يملك الى مهرب و غادروا سوريا في احد الايام قبل شروق الشمس.
::
في القاهرة حيث استقروا بمساعدة احى المنظمات الخيرية عمر انظم مع والده و شقيققه الاصغر للعمل و هنالك وجد احد اولاع المراهقة: الحب.
هي ايضا كانت سورية وذالت بشرة بيضاء و عيون سوداء واسعة. كما هي العادة امضيا الوقت برفقة الاصدقاء متمشين شوارع القاهرة المكتظة و ومجمعاتها التجارية. لشدة صدمتها عندما علمت انه سيرحل اللا الولايات المتحدة رفضت ان تودعه.
هو يحلم بجلبها الى الولايات المتحدة بعد سنة من الان عندما يؤهل لطلب الجنسية لكن في الوقت الراهن علاقتهما تاخذ مسيرها من خلال تطبيق المسجر واتس اب. "حبي" هكذا هو اسمها مخزون على هاتفه.
عمر لا يعرف الكثير من الانكليزية سوى بضع كلمات مما يجعل امر عثوره على عمل امرا صعبا في حين اخوتة الصغار التحقوا بالمدارس و هم يتعلمون اللغة بسرع متعلميت كلمات مهمة مثل "بيزا", "ايباد" و "هالويين."
في احد الامسيات عمر غادر ليلتحق باحد دروس تعلم الغة للبالغين في احدة الكليات القريبة ليعود لاحقا واضعا اسمه في لائحة الانتظار و منشور بعنوان "الاحلام يمكن ان تصبح حقيقة!"
في تلك الليلة مضى عمر الى احدى المتاجر القريبة مع شقيقه الصغير و مساء. عمر يضع شرائح البطاطا برنغلز في سلة التسوق بينما موسيقى المتجر تعزف لحنا مكسيكيا. و يدفع من خلال بطاقة زودت لهم من الولاية لحين امكانهم الاعتماد على ذاتهم.
في طريقهم عودتهم الى المنزل عمر يحاوا ان يعلم شقيقته احدى الجمل الانكليزية التي تعلمها. "انا لا احب بشار الاسد" و هي بدورها ترردها بالنكليزية.
::
يتم ترديد نداء صلاة الظهر و المصلين يسجدون ملامسين بجبينهم السجاد الاخضر. امام المركز الاسلامي في كلارمونت يتحدث حول الاسلاموفوبيا و الكراهية تجاه المسلمين: "نحن لسنا ادنى منزلة" قال محمد ناصر للمئات المجتمعين لصلاة الجمعة. المصلين الاناث مفصلوين عن المصلين الذكور بستار ذهبي سميك. "نحن من افضل الشياء التي حصلت لامريكا."
بعد هجمات باريس بعض من اصدقاء عمر تم مضايقتهم في الشوارع لكنه ليس قلقا حيال العنصرية او التفرقة على اساس الدين هنا في الولايات المتحدة و يذكر قائلا" لو لم يريدونا هنا لما جلبونا هنا."
المسجد بعباده من دول شتى مثل افغانستان و السودان و ماليزيا هم يمثلون عونا لعائلة وفية. احدى العوائل الفلبينية تبرعت لهم بسيارة مستعملة بينما احد الرجال الباكستانيين تبرع بتدريب عمر على الحاسوب في محل التصليح الخاص به.
في احد الايام عمر حصل على معلوممة بان احد المتعاقدين ذو الاصول الفلسطينية يبحث عن عمال لمشروع بناء شقق فقام بسياقة السيارة مع مصطفى كنجون و هو ايضا احد اللاجئين السوريين الباحثيين عن عمل متجهين اليه في مدينة فونتانا.
المتعاقد شريف عواد يعجب راسا بكنجون و الذي كان يعمل نجارا في سوريا و الاردن حيث لجأ مع عائلته هناك عند اندلاع الحرب.
عواد يشرح كيف انه هو ايضا وصل الى امريكا مفلسا ثم عرض عليه العمل بوظيفة عامل واعدا اياه بالمساعدة في الترقية الى حيث انه سيحصل على رخصته الخاصة به و سيارة الحمل الخاصة به.
"يبدو انك حصلت على زميل عمل!" قال طريفي مخبرا كنجون لحظة ترجله الى السيارة رافعا يده طالبا المصافحة لكن كنجون لم يكن سعيدا لانه سيستغرقه اكثر من ساعة للوصول الى فونتانا بالباص كل صباح و قال شاكيا" سوف يجعلني زميله للمشاوير."
لكن طريفي رد صائحا "كن متواضعا. اول عمل لي في امريكا كان شي شطائر الهمبرغر مقابل 4 دولارات للساعة. هذا بعد اسبوعان الرجل سياخذك تحت جناحه."
كنجون و الذي لديه ابنة ذات تصرفات مؤدية الى مشاكل و التي هذا الصباح كان علبها الانتقال الى مدرسة جديدة بسبب مشاكلها, وافق اخيرا على عرض العمل.
فؤاد محاول الحفاظ على موقف ايجابي من اجل زوجته و اطفاله لكن انعدام الطمأنينة اثرت على صبره و كبريائه. في سوريا كان يستطيع شراء اطفاله ما شاء من ملابس و حواسيب و دروس الكاراتيه لكن الان بقاءهم يعتمد على احسان الاخرين.
::
يمر الشهر الاول على العائلة و من دون حصولهم على منزل ليستقروا به. بعد بعض المحاولات اخيرا وافقت وكالت التوطين على دفع ايجار شهر اخر في النزل.
في المساء تجتمع العائلة حول المسبح حيث الاطفال يسبحون و يلعبون بكرة القدم بينما الكبار يحدقون بصفحات الفيسبوك الخاصة بهم هازين رؤوسهم باستهجان تجاه صور هجوم اخر في دوما. هذه المرة اكثر من 60 شخصا لقوا حتفهم و اكثر من 100 جرحى في هجوم على السوق. ابن اخيهم ذو ال 25 عاما كان من ضمن الضحايا. على قيد الحياة لكنه فقد احى رجليه.
فؤاد رافعا يداه في الهواء "نحن لا حول و لا قوة. كل من نستطيع فعله هو الدعاء لهم"
ثم في احد الايام و اخيرا هنالك اخبار جيدة. انها دعوة من مدرسة ماونتن فيو حيث تم قبول مرام ذات التسع سنوات و عمران ذو 12 عاما. هل تستطيع العائلة حضور الاجتماع القادم؟
فؤاد و عائلته يجلسون على الكراسي داخل المدرسة المكتظة بالحضور الى جانب عمر و فرح و مساء. هنالك ابتهاج واضح في الجو عندما قام المدير بقراءة اسماء الفائزين بجائزة الشجاعة الممنوحة لهؤلاء الذين يظهرون شجاعة. اسم مرام و عمر كانا من ضمن الفائزين لتتلوه صفير الابتهاج.
::
بعد اسبوعان قام فؤاد بتوقيع اسمه على عقد ايجار شقة حديثة الطلاء بثلاث غرف نوم في بومونا ليست ببعيدة عن النزل. ليحتفل يقوم بتدخين سيكارة مارلبورو بدلا من السكائر االمصرية. هو و عائلته يتفحصون البيت الجديد غرفة بعد غرفة و يجربون انارة الاضواء وفتح حنفيلت الماء بينما في الخارج تنتظر شاحنة مليئة بالاثاث المتبرع به.
اول شيء زوجته تقوم باحضاره من الشاحنة هو قدر صغير مزين يالورود الصفراء.
مساهمات اضافية: ليلي ميهاليك و سيف العزاوي ترجمة. تعليق الصورة الرئيسية : عمر 19 سنة يلعب مع اخته الصغيرة مساء 5 سنوات في الباحة الرئيسية في النزل جوار المسبح. العائلة ترجو ان تجد بيتا لها لتستقر به قريبا.