منذ لحظة وصولها و هي كانت تحس بانها جالبة للانتباه في الشارع و في الباص و في قطار الانفاق الجميع كان يحدق بها. لم يكونوا عدوانيين فقط مرتبكين حتى في احد اكبر مدن امريكا اللاتينية امراة مرتدية الحجاب كانت بارزة من بين الجمبع.
"الجميع كان ينظر الي و انا كنت احس بالوحدة." قالت دانة بلخي ذات ال27 عاما و اكملت "احسست باني اختنق."
لقد قدمت الى البرازيل بمفردها و هو امر غير معتاد بين النساء المسلمات الغير متزوجات. لقد درست الادب الانكليزي في سوريا في جامعة دمشق و قد احبت روايات جين اوستن.
بعدما ان ضرب صاروخ بيتها فرت مع اختها الى تركيا لكنها لم تجد عملا هناك.
تم رفضها من قبل كندا و السويد و في شتاء 2013 كان عليها الاختيار. اما العودة الى الوطن كما فعلت اختها حيث الحرب جارية او ان تحاول الذهاب الى البرازيل حيث كان تمنح فيز سهلة الحصول للهاربين السورين.
توجهت الى صفحة غوغل و طبعت جاليات عربية توفر المساعدة في ساو باولو. و قد وجدت برازيليين مسلميين من من عرضوا المساعدة. و سألوها من ستصطحب معها. و اجابت فقط انا.
وفي كانون الاول 2013 اصطحبوها من المطار ووفروا لها فراشا. لقد تعلمت ان تكون مستعدة لاجابة الاسئلة عندما يكتشف المسلمون المحليون بانها لوحدها.
"ليس الجميع منهم من يحترم قراري" ذكرت قائلة" اما سيقلون بان عائلتي لا تهتم بي او انا لست بفتاة محترمة. بالطبع هنالك العديد من الفتيات المحترمات من من حذون حذوي لكن ليس جميعهم."
حتى جدها رفض اجابة الهاتف عندما كانت تتصل به و لمدة 6 اشهر و هي قلقة كيف سيتم معاملتها فيما لو رجعت الى سوريا.
"سيقولون الله اعلم ماذا فعلت هناك."
اللاجئون السوريون هناك لا يشكلون سوى قطرة ضمن الهاربين من الحروب هناك. مجرد 2000 من ضمن 4 ملايين و العديد منهم حظر الى اكبر مدينة في امريكا الجنوبية بعد يأس.
للعديد من الوافدين السورين يصعب عليهم ايجاد عمل او التواصل او الخوف من الجريمة في الشارع. هم يعتبرونها مثل محطة مؤقتة في الطريق الى اراض مالوفة اكثر.
لكن في هذه المدينة الطليقة و ذات ناطحات السحاب الممتدة على الافق و ذات الحريات الواسعة البعض يجد نفس من جديد بصور كبيرة او صغيرة.
البرازيل و لاكثر من قرن كانت محطة جذب مهاجريين من الشرق الاوسط حيث هنالك اكثر من 10 ملايين شخص من اصول سورية و لبنانية. لقد احتضنتهم و قبلتهم منذ زمن بعيد و كما هي الان تتقبل لاجيين جدد.
محاولة تجنب الظرات قامت بلخي بنزع الحجاب و لفترة كانت مرتاحة لاستطاعاها المشي في الشارع دون ان يلحظها احد ولكنها احست بالفراغ و بأنها مكشوفة فعدلت عن ذلك و قامت بارتداء الحجاب مجددا.
وجدت عملا كسكرتيرة في جامع ساو باولو الكبير براتب يكفي بالكاد. لقد غيرت محل اقامتها سبع مرات منذ وصولها.
هي شخص ودودو مبتهج وتكسب الاصدقاء سريعا لكنها مشتاقة الى عائلتها. هي تستيقظ في ال 3 صباحا و تحدق بالسقف قلقلقة ماذا سيحصل اذا لا تستطيع ان تجد عملا براتب اكثر. ماذا سيحصل لو انه توجب عليها البقاء في البرازيل؟ ماذا سيحصل لو انتهى المطاف بهى و هي لن ترى امها التي ترفض مغادرة سوريا؟
لحد الن تقدم 10 اشخاص طالبن يدها من بين مصريين و سوريين و لبنانيين. بعض منهم اكبر بالعمر كثيرا في نهاية ستينات العمر و قسم اخر لديه المال. سيكون من السهل انت توافق لو كتن همها هو الاستقرار. هي حاولت رد الخطاب باحترام. هي تشك بان اي منهم سيتقبل نزعتها الاستقللالية.
"انا لا اتقيل التحكم."
ليس بالوقت البعيد عندما فكرت بلخي بثقب انفها فتوجهت الى انتنرنت لترى اذا كان العلماء الاسلاميون يوافقون على ذلك. "قسم منهم وافق و قسم اخر رفض. انا ذهبت مع الراي الذي وافق."
"اين العرب؟"
هذه كانت اول جملة بالبرتغالية تعلمتها منى درويش و حفظتها عن ظهر قلب.
عندما وصلت مع زوجها في تشرين الثاني عام 2013 تم نصحهم بالتوجه الى سانتا ايفجنيا و المعروفة بتوافر الكثير من المحلات الشرق اوسطية.
لاشهر كانت تدق بابا تلو الاخر لتبيع الحلويات و في احيان اخرى وقفت امام المسجد تستعطي المال." انا لم اختر البرازيل."
قالت درويش ذات ال 35 عاما "انه البلد الوحيد الذي تقبلنا."
لقد عاشوا جيدا في اللاذقية و الواقعة على الساحل السوري. زوجها وسام جمال كان يحصل على راتب قدره 5000 دولار شهريا كمهندس على متن السفن التجارية. وثم تم اعتقاله من قبل السلطات بتهم لم يتم شرحها و قاموا بتعذيبه منتهي الامر بكسر عدة اضلاع.
فروا الى مصر و هناك منحتهم القنصلية البرازيلة فيزا سريعا.
و بينما كانوا يصارعون من اجل العيش تقرب اليهم رجل اعمال سوري بعرض عمل. هذا الرجل قد عاش في البرازيل لسنيين و بدا انه ذو نفوذ. قال لهم بان بامكانهم ايجار كشك في المجمع التجاري في سانتا ايفاجنيا لبيع مستلزمات الهواتف النقالة.
رجل اخر من اصل لبناني اعطاهم عقدا و اخبرهم بان يوقعوا على العقد. جمع الزوجان مبلغ 3000 وناولوه المال. اختفى الرجلان و لم بكن هنالك اي كشك للايجار.
"السبب الذي جعلنا نثق بهم هو انهم كانوا عرب" قال جمال ذو ال 43 عاما "لقد عملنا بشدة و الان نحن عدنا الى الصفر."
هم يعيشون الان في مجمع شقق مزري مع اطفالهم الاربعة حيث تم اخبارهم ان من الحكمة عدم الخروج ليلا. في احد المرات تم تسليب درويش تحت تهديد الطعن بالسكين في طريق عودته من المسجد.
يبدو ان الجمييع قد مر بامر مشابه او يعرف احد من مر بتجربة مماثلة. انعدام الامن هو من اكبر الامور الصادمة للسوريين المعتادين على دولة البوليس.
احد معارفهم السوريين من من وصلوا هنا حديثا ذكر له ان السراق دخلوا عنوة الى الشقة و ضربوا زوجته بكعب المسدس. لانه لم يمت احد اعتبرت الشرطة الامر صغير الاهمية و انا عليهم نسيان ما حدث.
كما انه لا يمكمن الاعتماد على الحكومة لانواع اخرى من المساعدة. فهي ليست مثل السويد الاشتراكية حيث يعيش اخو درويش.
"هنا لا احد يعطيك اي شيء"
بمساعدة مجمعة مختصة بمساعدة اللاجئين هي تقدم دروس بالطبخ بالاضافة الى طلبيات الطعام التي يستلمانها على هاتفهم الذكي.
هو لازال يحلم بالماء. وترأس غرف المحركات في ناقلة النفط الضخمة. كرئيس مهندسين هو كان شخص محترما.
"لكن هنا انا اصنع الفلافل." قال ذاكرا و تلاها ضاحكا "مهندس الفلافل."
في غرفة المعيشة التلفزون كان يعرض احد القنوات السورية التي حصلوا عليها من خلال القابل. هم يقولون انهم يتابعونها لغرض مشاهدة المسلسلات لكن هذه القناة مليئة بالغاني التي تمجد بشار الاسد. قواته تزحف بشجاعة نحو المعركة. و الصواريخ تحلق نحو السماء بينما العلم يرفرف. يبدو ان كل شيء على ما يرام في سوريا.
"رسالة من الحكومة" درويش قال ضاحكا ثم تابع "اذا لماذا نحن هنا."
وسام كردي لا يحمل معه سوى مبلغ صغير من المال و لا يرتدي ساعته او خاتم الزواج عند توجهه خارج المنزل لانه امر خطر. "هذا هو السبب الذي يجعلني لا اريد البقاء في البرازيل. ربما يوما سأموت بسبب هاتفي النقال."
كردي ذو ال 34 عاما كان يعمل في احد مؤوسسات الاتصالات في دمشق. و قام بالفرار عندما اصبح القتال قريبا. بعد وصولهم الى البرازيل في تشرين الاول عام 2014 امضى كردي اكثر من 12 ساعة يوميا بحثا عن عمل. لقد خسر الكثير من الوزن من 200 رطل الى 140. في النهاية وجد عملا في تدريس اللغة الانكليزية.
هو يعرف بانه محظوظ ويقول انه من ضمن الاصدقاء الذين تركهم في سوريا اكثر من 80% فروا و البقية قتلوا.
"نسمع اسماءا جديدة كل يوم. هل تلم من مات الامس؟ لقد توفي علي. بعد سماعك ذلك لاكثر من 30 مرة يصبح الامر عاديا. الان اذا احد اخبرني ان احد الاصدقاء قد مات فانا لم اعد اشعر بشيء. على الحياة ان تستمر."
هو يحلم بالوصول الى كندا"احتمالية المخاطر هنا عالية جدا" قال ذلك و هو يمشي احد الشوارع الرئيسية "كل المباني هنا محاطة بحراسة امنية. لديهم كامرات تسجل كل شيء. ماذا يعني هذا؟ انه يعني لا وجود للامان."
زوجته رابية ذات ال 30 عاما تمضي معظم الوقت داخل المنزل.
هم يعاشرون الاصدقاء في المسجد بعد صلاة الجمعة "الاسلام هنا اقل التزاما" قائلا بعدم رضى. المساجد هنا تقيم احتفالات مصحوبة بتقديم الكيك و البالونات المر الذي هو لا يستسيغه.
هو يقف في الطابور في مقهى ستار بكس و على المقربة هنالك شابان يافعان يقبلان بعضهما البعض بشغف. ثم بعدها يجلس على الطاولة مع قهوته. هنالك خلفه رجل و امراة يقبلان بعضهما.
"ان بلد جيد لكنها ليس لنا. ليس للمسلمين."
بعض النساء التي يدرسهن يرحبون به باحتضانه و هو بدره يقوم بنفس الشيء. ماذا عليه ان يفعل في مثل هذا الموقف؟
هو قلق على ابنه ريان ذو ال 3 اعوام. هو قلق بشدة بان ابنه سيكبر و ينسى دينه.
في احدى الليالي راى كردي الشرطة و هي تنازع رجلا ممدا وهو يصرخ في احدى محطات المترو. الضابط صرع الرجا الى الارض و ثم هرع به الى مؤخرة السيارة.
"ارى ذلك و لا احس بي اي شيء." ذكر قائلا ثم اضاف "البرزيلييون يعيشون في امان و ليس لديهم اي فكرة عما واجهناه.في عقلي هنالك صور اكثر بشاعة من هذا."
على الطابق العاشر في بناية مكتب مهجور وفي مطبخ وضع على عجل محمد عثمان 27 سنة يقوم بتحضير الحمص لصنع الفلافل.
كل ثلاثاء هو واخوه رامي 30 سنة يقومون بجلب طعامهم و معداتهم الى احد الدسكوات المحلية لبيع طعامعهم للسكان المحليين.
لقد انتقلوا الى هذه البناية المهجورة عدة اشهر مضت. الطوابق الخمس السفلى مشغولة من قبل السكان البرازيليين و الخمسة العليى من قبل نزلاء سوريين.
العثمان اخوان هم كلاهما لاجئان فلسطينيين حيث ترعرعا في مخيم في سوريا ثم فرا من هناك بعد الحرب الاهلية.
لقد تم اهدائهما غسالة ملابس و كنبات قديمة و طبلة قديمة. الحائط مليء بالرموز الوطنية الفلسطينية مثل كاريكتر حنظلة المشهور.
لقد ذكر الاخوان بأنهما تلقيا مساعدة قليلة من الجالية السورية و اللبنانية في ساو باولو حيث انه اما يتم تجاهلهم او يكونون عرضة للنصب.
"نحن نساعد انفسنا بأنفسنا."
قال رامي ذاكرا. لدية احساس بان وجودهم المتزعزع هنا قد يفشل في اي لحظة لكنه ايضا يحب البرازيل "لا استطيع العودة. كل احلامي هي هنا."
يأمل الاخوان ان يفتتحا مطعما قريبا "كوننا هنا هو افضل من ان نموت هناك" قال محمد" هذه المرة الاولى التي انا فيها مليء بالأمل حتى لو كان 1%."
اسمه الحقيقي هو وهيب حايك لكن منذ وصوله الى البرازيلعدة اشهر مضت و هو الان يسمي نفسه ويليام. هو الان 24 سنة و في ليلة حديثا في احد محال الكاريوكي(مكان للترفيه حيث يأخذ الناس دورهم في الغناء على خلفية موسيقى اغناي مشهورة) في وسط المدينة في ساو باولو محاوا ان يستجمع شجاعته لكي ياخذ الميكرفون.
انت الان ويليام حدث نفسه قائلا. يمكنك ان تفعلها.
عندما يتذكر شخصية وهيب هو يتذكر الطفل الخجول الممتليء و الذي ترعرع في الحي المسيحي في حمص والتي تعد ثالث اكبر مدينة في سوريا لكنه شعر بالاختناق و الضيق هنالك حيث الجميع كانوا يتدخلون في شؤنه و هو بدوره كان يقلق بما كان الناس تظن به.
وهيب كان دائما يقول كلا و كان يأخذ طعامه الى غرفته ليأكل هناك. لكن الان هو ويليام و شعار ويليام هو "انا لا لن اقول لا ابدا."
يداه ترتعشان حين يأخذ المكرفون ويبدا بغناء اغاني مثل اغنية ايمي واينهاوس "العودة الى السواد" ثم اغنية بيونصيه "احلام سعيدة" ليضيف نصرا اخرا للشخص الذي يريد هو ان يكون.
هو الان يقرأ احد كتب المساعدة الشخصية بقلم روبرت غرين و بعنوان "48 قانونا من قوانين القوة" و من احد هذه القوانين هو "اعد تكوين نفسك."
لقد قرر مغادرة سوريا في عام عندما رفضت جامعة البعث اعطاءه اعفاء من الخدمة العسكرية. هو لم يرد ان يقتل اي احد ولم يرد الموت. دفعه والده داخل سيارة واتجه الى الاردن حيث كان هناك مستقبل قاتم بأنتظاره.
هو قال انه احس انه حيث ينتمي في اللحظة التي نزل منها من الطيارة في ساو باولو. ولم يمضي وقت طويل حتى وجد عملا في احد صالونات التجميل. احدهم يناولوه الكابيرينا وهو احد اشهر الكوكتيلات الكحولية في البرازيل و يحتفل لساعات في الليل ساهرا و لعدة ليالي حتى لو كان عليه العمل الصباح التالي.
"انا عمري 24" قال ذاكرا "انا ادفع بنفسي الى اقصى الحدود. لا اريد عندما اصبح 50 عاما و اقول عندما كنت 24 انا لم استمتع بحياتي."
قريبا بعد وصوله وضعته احد وكالات مساعدة اللاجئين في احد دروس "البرتغالية لللاجئين." هو كان الشخص الوحيد في الصف و الذي كان يتكلم العربية الامر الذي لم يزعجه القط.
هو يكره كلمة "لاجيء" بما تحمله من معاني اليأس و الاحتياج و الاعتماد على الاخرين. القانون العاشر للقوة يخبره بانه عليه تجنب "هؤلاء من هم غير محظوظين او تعيسين" لاعتقاده ان التعاسة و سوء الحظ هما معيان.
"لدي ما يكفي من المأسي في حياتي" قال ذاكرا "ليس لدي وقت لمأسي الاخرين."
كل يوم عندما يميز الناس لهجته البرتغالية المختلفة يسالونه من اي بلد قدم و عندا يعلمون انه من سوريا يسألونه لماذا اتى البرازيل بدلا من اوروبا؟
حديثا قلم احد اصدقاءه بأخذه الى مطعم على اعلة بناية ايديفيشيو ايتاليا و التي تعد من اعلى الابراج في ساو باولو. هناك حمل كاس شراب الموهيتو ناظرا الى العمارات الممتدة في كل مكان وجعلته يفكر بانه يريد ان يكون مشهورا يوما ما و يترك اثؤا ما ربما كالمغنية اللبنانية فيروز.
تحت فب الاسفل ترى الناس عائدين من اعمالهم ’ قسم يتعرض للسلب و قسم يتزوج. قسم منهم يعاني و قسم منهم يزدهر. الشمس كانت تغرب وضياءها كان يتخلل على 100 الف نافذة.
لا توجد فرصة هناك تعطي حق وصف ضخامة المدينة لكن هذا المنظر كان قريب الى ذلك. "انه مثل شيء من الخيال العلمي" ذكر قائلا "و الناس لا علم لها يسالوني لماذا اتيت الى البرازيل؟"
المراسل الخاص فنسنت بفنز ساهم في هذا التقرير.
تصميم: ليلي مهاليك و ترجمة: سيف العزاوي. تعليق الصورة الرئيسية: دانة بلخي سافرت الى البرازيل بمفردها و هو خيار نادر لامراة مسلمة غير متزوجة. خلال فترة بقاءها في البرازيل تقدم اليها اكثر من 10 خطاب لكنها رفضتهم "انا لا يمكن التحكم بي."